فتحت عيني كغيري ممن يسكن حي السويدي والبديعة على جهابذة العلم وأئمة الدين في الرياض بل في المملكة قاطبة أمثال ابن باز وابن جبرين وابن قعود رحمهم الله تعالى فقلما تصلي فرضاً من الفروض الخمسة أو تمر بمنزل من منازلهم إلا وتجد درساً أو تسمع محاضرة أو تشهد تجمعاً أو ترى لفيفاً يتوق للقرب منهم والتحدث معهم والإستماع إليهم.
لا يفصل بين بيوتهم إلا عدة كيلوات ولكنهم اشتركوا جميعاً في العلم الرصين القائم على الكتاب والسنة، واتفقوا كلهم على نفع الناس، وتميزوا كافة ببذل أنفسهم علماً وتعليماً ودعوة وتوجيهاً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وصدقة وعبادة وكرماً وجوداً وسماحة ورحمة ورفقاً وليناً بالمخالف قبل الموافق فكانوا بحق أئمة الهدى ومصابيح الدجى.
1= كانت بدايتي عام 1410هـ مع الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى لكثرة دروسه وتنوعها وانتشارها ولقربها من المنهجية العلمية والطريقة التعليمية.
كانت البداية في مسجد البرغش بشبرا فجر الأحد والثلاثاء حيث يقام درس منتقى الأخبار، لا يبدأ الشيخ الدرس حتى ينتهي من الأذكار ثم يأخذ مكانه وينتظر القارئ ثم يأذن له بالقراءة.
يقوم الشيخ بدر البدر بقراءة الباب ثم يقوم الشيخ رحمه الله تعالى بالتعليق على كل حديث بدءاً بألفاظ الحديث ومعانيها ثم الكلام على السند والتصحيح والتضعيف ثم يشرع في بيان أحكام الحديث متوسعاً في عرض الخلاف وأقوال الأئمة، ثم بيان الراجح ووجه الترجيح ثم يفتح المجال للأسئلة والإستفسارات.
يستفيد من هذا الأسلوب وبهذه الطريقة طالب العلم المبتدئ والمتوسط والمتقدم كل على حد سواء.
ولكن يأخذك العجب من حفظ الشيخ المتقن واطلاعه الواسع وإستيعابه الكبير لألفاظ الأحاديث وتخريجها ومسائلها وأحكامها.
هذا المشهد أصابني بإنبهار عجيب فلم أرى في حياتي مثل هذه الصورة ولا ذلك المشهد.
كان هذا المشهد حافزاً كبيراً لي للإستزادة من علم هذا الجهبذ فعزمت على حضور ما أستطيع من دروسه.
2= سمعت بدرس للشيخ في الروض المربع بجامع عتيقة مغرب كل أربعاء حضرت الدرس لأول مرة، كان الشيخ أول الحاضرين يصلى المغرب في المسجد، لم يكن الحضور كبيراً الطلاب بعدد الأصابع حتى أننا نتحلق حول الشيخ وهو جالس على الأرض في روضة المسجد.
الأسلوب هو الأسلوب والطريقة هي الطريقة في الشرح والتعليق والتعقيب والتفصيل مع قلة العدد وضعف الحضور.
3= زرت الشيخ مرة في مسجده فرأيته بعد المغرب يدرس في المسجد كتاب الكافي لابن قدامة والحضور فقط طالبان، أكبرت في الشيخ هذه الهمة والعزيمة في التعليم والتدريس.
4= في درس الخميس حيث يقرأ على الشيخ ما يفوق عشرة كتب حسب الإعلان الموزع عن دروس الشيخ اليومية.
صليت الفجر مع الشيخ في سرحة المسجد وبعد الصلاة جلس الشيخ يذكر الله عز وجل حتى أسفر جداً ثم أخذ الشيخ مكانه في الدرس وتابع الذكر وهو يتلفت يمنة ويسرة، يا ترى ماذا ينتظر تعجبت من تأخره بداية الدرس دخل أحد الإخوة المقيمين من باب المسجد فإذا الشيخ يشير إليه بإحضار ما معه من كتب والجلوس بجانبه.
أحضر الأخ كتبه وبدأ في القراءة وقام الشيخ بالشرح والتعليق قرابة الساعة والنصف.
أثر ذلك الموقف في نفسي أيما تأثير فلقد كنت أرقب الشيخ وهو ينتظر واحداً من طلاب العلم العشرة الذين تغيبوا عن الدرس الذي كان الشيخ يحضره أولاً ويخرج منه أخيراً.
5= كنت أشاهده بسيارته في شارع السويدي العام خارجاً قبل صلاة العصر متجهاً إلى أحد دروسه بعزيمة وهمة فيحضر قبل الطلاب وينصرف بعدهم.
6= لم أحضر جنازة لعالم أو داعية أو وجيه إلا وأرى الشيخ رحمه الله تعالى في مقدمة المصلين وأمام المشيعين ومتصدراً للمعزين.
7= حضرت مع أحد الأخوة من أهل عسير للشفاعة في التنازل عن أرض تبنى جامعاً لأهل القرية فبادر بأخذ ورقة من مكتبه وكتب شفاعته لشاب لا يعرفه ولم يسمع به ولكنه التطبيق العملي للحديث النبوي «اشفعوا تؤجروا».
8= تواصل عطاء الشيخ رحمه الله تعالى حتى بعد مرضه فكان يعتلي المنبر ويلقى الدروس ويجوب المدن ويزور القرى لنشر دين الله عز وجل وتبليغ الدعوة فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
9= التماس: منذ قرابة عشرين سنة كنت أسمع عن شرح للشيخ على منار السبيل أشاد الكثير بهذا الشرح وطول نفس الشيخ فيه، سمعت أن الأشرطة المسجلة للشرح متوفرة عند الشيخين محمد الشعلان وعبد العزيز السدحان وكنا ننتظر إخراجه مكتوباً ومطبوعاً بفارغ الصبر لعلمي ومعرفتي بالشيخ وعنايته وإهتمامه بأي كتاب يشرحه.
وفي ظني أن هذا الكتاب لو خرج سيسد فراغاً كبيراً من النقص الحاصل في شرح كتب الفقه الحنبلية من قبل فقهاء نجد، بل سيكون قريناً لشرح الشيخ ابن عثيمين على زاد المستقنع.
وأعلم يقيناً كما يعلم غيري من طلاب العلم أن ما خرج للشيخ من آثاره العلمية المقروءة والمسموعة لا يساوي إلا النزر اليسير من تراث الشيخ العلمي رحمه الله تعالى فآمل من أبناء وطلاب الشيخ الإهتمام والعناية بهذا الكتاب خاصة وغيره من تراث الشيخ إكراماً للشيخ بعد موته وقياماً بواجبنا تجاهه رحمه الله رحمة واسعة.
الكاتب: علي بن حسين فقيهي.
المصدر: موقع يا له من دين.